الولاية على النساء ؟

بقلم
أ.د.أميمة أبو بكر
تعريب
أ.د.أميمة أبو بكر

 المفهوم الفقهى عامة "للقوامة" و"الولاية" هو التميز والمكانة الأعلى للرجال، وبالتالى حق القيادة والسلطة والسيطرة على حياة النساء داخل الأسرة لأنهن لا يملكن القدرات أو الكفاءة المتساوية. ثم إتضح أن هذا خطأ كبير فى الفهم والتأويل، وإبتعاد عن المبادىء القرآنية وأهداف الشريعة الإسلامية، ولكنه كان متماشيا مع منطق الزمان في كافة الثقافات ودراسات كل الأديان في ذلك الوقت. أنتج علماء الحضارة الاسلامية كما مذهلا من الإبداعات والفكر، لكنهم في الغالب لم ينهضوا إلى رسالة القرآن الراديكالية فيما يخص رفع قَدر وتمكين النساء وتأكيد إنسانيتهن المساوية. إعتمدت القوانين الوضعية وقوانين الأحوال الشخصية الحديثة على هذا المنطق: طفولية المرأة وعدم أهليتها القانونية وعدم قدرتها على التفكير والتصرف السليم. لذا يجب تغيير هذه الرؤية الخاطئة والعمل على الترشيد والإصلاح، لصالح العدالة ولصالح حق النساء ولصالح الدين. لا يجب أن تعكس القوانين إلا معايير "العدل" و"القِسط" و"الإحسان" و"المعروف" و"التقوى" للجميع– وهى كلها مبادىء وأوامر إلهية وردت خاصة فى كل الآيات التى لها علاقة بتشريعات الزواج والطلاق والأسرة. فلماذا نتجاهل كل ذلك ونسارع الى القوامة والولاية فقط باذلين كل الجهد تأويلا وتعميما وتقنينا لتكريس عدم الإنصاف والسيطرة الفوقية على النساء؟


1) لأنه لا يوجد آية قرآنية بها نص صريح مباشر يذكر مصطلح "ولىّ" كشرط مفروض للزواج، لجأ الفقهاء إلى تأويل وتعميم آيات معينة واستنباط منها مفهوم "الولاية" وتأسيسها بغرض حماية من هم تحت الوصاية، مثل الأيتام والصغار دون سن الرشد، وبغرض الحفاظ – من وجهة النظر فى ذلك الوقت – على شرف القبيلة أو العشيرة ومستواها الطبقى والإجتماعى من زواج غير مرغوب فيه. ومع ذلك اختلفوا كثيرا فى تحديد سلطة ولى الزواج وقيودها، وشروط ومبررات صلاحيته ومتى يفقدها، وكذلك الحالات التى تُطبق فيها أو تتوقف هذه الولاية.


2)     بسبب صيغة المُذكّر في الخطاب المستخدم فى آيتين بالتحديد (232 و237 من سورة البقرة)، تم استنباط أن الكلام موجّه الى الرجال باعتبارهم "الأولياء" – حسب إفتراضهم، وأسّسوا لشرط وسلطة الولاية فى التزويج

 

3)  كما اعتمدوا على أحاديث شريفة (مختلف عليها أيضا)، حتى أهم حديثين بالنسبة لهذا الاستنباط – حديث عائشة (فى أبو داوود والترمذى) وحديث ابن عباس (فى ابن ماجة والترمذى) – عليهما حجج وكلام، حتى أن ابن رشد وابن قيم الجوزية إعترضا على سلامة مبدأ الولاية بهذا المعنى.

 

4)  الخلاصة أن هذا المبدأ له أصول فى الممارسات الإجتماعية والقَبَلية من قبل الإسلام، مما أثّر على التأسيس والتشكيل الفقهى له، ومردود عليه من خلال نقد منطق الاستنباط والتأويل والتعميم، وإعادة التفسير بمنطق النظر الصحيح الى الخطاب القرآنى ككل حول أخلاقيات المعاملات عند الشروع فى الزواج وحول النهى عن ممارسات المنع والإجبار.

 

5) تم تجاهل الآية القرآنية العظيمة التى تؤسس للولاية الإجتماعية والدينية المشتركة بصريح العبارة: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم" (التوبة:71).

كفى تحججا بالدين والافتراء عليه للتقليل من شأن النساء ولممارسة السلطة غير العادلة، وكفى إستخدامَ قضايا النساء للتقليل من شأن الدين ومرجعيته أو التنفير منه. والله أعلم.